عاشقة الحواديت

عشى كل لحظة كأنها اخر لحظة في حياتك,عشى بالايمان عشى بالأمل,عشى بالحب,عشى بالكفاح,وقدري قيمة الحياة.

Wednesday 20 August 2008

خمس حكايات شعبية يابانية

خمس حكايات شعبية يابانية
دونَّتها بالإنجليزية: يومي جوتو.ترجمها

وقدَّم لها: رجب سعد السيد.

مقدمة:يصور اليابانيون الثعلب في حكاياتهم الشعبية محتالاً مناكداً، ولكنهم يضيفون إلى هذه الحكايات حس الفكاهة والسخرية من أبطال الحكايات الذين يخدعهم الثعلب، فيتوفر للحكاية طرافتها، إضافة إلى الهدف الاجتماعي النافع، وهو التحذير من خداع الثعالب.إن تلازم الإنسان والحيوان سمة ظاهرة في الفلكلور الياباني الذي لا يعرف العرَّافات والساحرات والجنيات والمشعوذين، كما في الثقافات التقليدية لشعوب أخرى. إنك تقابل في الحكايات الشعبية اليابانية الموروثة قليلاً من العمالقة والأقزام، وبعض الأشباح والوحوش الخرافية، وكثيراً من الحيوانات؛ فلا تكاد تخلو حكاية شعبية يابانية من حيوان أو أكثر. ويلاحظ قارئ الحكايات الشعبية اليابانية أن بعض الكائنات الحية يجسَّد أرواحاً لهيئات طبيعية كالجبال والأنهار، وقد (تنقلب) في هيئة آدمية نقية المعدن.وهذه خمس حكايات شعبية يابانية، يتمثل فيها ما أوردناه من ملاحظات.
1- طائر الغرنوق
في يوم من الأيام، توجه فلاح شاب يتصف بالأمانة إلى الحقول الجبلية ليحتطب، فعثر علي غرنوق جريح يعاني الآلام. قال الفلاح وهو يقبل على الطائر يعالج جرحه: "طائر مسكين.. من الذي يطاوعه قلبه ليسقط مثل هذه المخلوق الجميل؟"وذات مساء، بعد مرور عدة أيام، دقت باب بيت الفلاح الشاب فتاة صغيرة جميلة، سألته أن يؤويها الليلة، فالظلام يهبط، وقد أعياها السير فلم تعد تقوى على مواصلته. ولم يلبث الشاب أن وقع في حبها من أول نظرة، وسألها أن تبقى إلى الأبد، لتكون زوجة له، فوافقت على استحياء. عاشا معا في سعادة غامرة، لم يعكرها إلا فقر الشاب، وكان الشتاء يقترب وليس لديه من المؤن ما يكفي لمواجهته حتى يأتي الربيع.وحدث أن الزوجة عرضت أن تشتغل بالنسيج الحريري إلى عاصمة البلاد، وبيعها إلى تاجر كبير، مقابل مبلغ مجز من المال. وكان التاجر مسروراً بحصوله على الحرير الجميل، وطلب من الشاب أن يأتيه بلفافة أخرى. نقل الشاب رغبة التاجر إلى زوجته، فقالت: لا أعرف إن كان ذلك بإمكاني أم لا، غير أنني سأحاول. وعلى أية حال، من فضلك، لا تدخل عليَّ أو تحاول النظر إليَّ وأنا أعمل أمام النول. وعدها الزوج بما طلبت، غير أنه عجز، أمام شدة الفضول، عن الوفاء بوعده فاسترق النظر إليها من خلال ثقب بباب غرفة النسج. فهل لك أن تتصور ما رأته عيناه؟ لم تكن زوجته اللطيفة هناك تعمل أمام النول، ولكن غرنوقاً رشيقاً أبيض اللون! كانت الغرنوق الأنثى قد فقدت نصف ريشها، وكانت تنزع ريشها الأبيض وتنسجه فيستحيل حريراً أبيض لامعاً. فزع الزوج وانطلقت منه، عن غير قصد، صرخة؛ فأدركت أنثى الغرنوق أن زوجها قد حنث بوعده، وابتعدت بجسمها الممشوق عن النول، قائلة: "وحيث أنك قد اكتشفت حقيقتي، فيستحيل عليَّ أن أبقى معك بعد الآن.. إنني أنا طائر الغرنوق الذي أنقذته في منطقة الجبال، وقد أتيت لأردَّ لك صنعك وإحسانك، غير أنني يتحتم عليَّ الآن أن أغادرك". ولم يلبث الطائر أن انطلق صاعداً

إلى السماء الزرقاء.

2- سيد حصن أوهتاتفي زمن الإقطاع، كان لآمر حصن أوهتات ابنة جميلة تدعى كوروهيم. وذات مساء ربيعي، اصطحب آمر الحصن ابنته الأميرة في رحلة خلوية للاستمتاع بقطف بشائر الكرز. كانت الطبيعة ساحرة، حيث بدت ذرى الجبال البعيدة وقد غطتها الثلوج، بينما افترشت أشجار الكرز ذات الثمار القرمزية التلال المحيطة بتلك الجبال. وكان آمر الحصن يحتسي بعضا من كؤوس الساكي، منتشياً بما يراه من مناظر خلابة، عندما لمح ثعباناً أبيض صغيراً يعترض طريق الأميرة كوروهيم ويتطلع إليها في إعجاب. انتابته الدهشة، فأشار لابنته أن تعطي الثعبان كأساً من الساكي، فشرب الثعبان.وفي وقت متأخر من ليلة اليوم ذاته، استيقظت الأميرة على صوت في مخدعها، ولما فتحت عينيها وجدت محارباً شاباً أنيقاً جالساً بالقرب من فراشها، بادرها بالكلام كما لو كان يتوسل إليها: "أيتها الأميرة كورهيم، إنني الثعبان الذي قدمت له الساكي، وأرجوك أن تقبلي فتكوني زوجة لي!" قالت الأميرة: "ما أعجب أمرك! ما كان يجب أن تتقدم إليَّ على هذا النحو. فمن فضلك، اذهب إلى أبي". فقال الشاب: "سأفعل."ولم يمض غير أيام قليلة حتى كان محارب شاب حسن المظهر يزور آمر الحصن، ويسأله الموافقة على زواجه من ابنته. وكان مظهره وسلوكه وهيئته على درجة من الكمال جعلته ينال إعجاب الآمر؛ غير أن ذلك الأخير عندما علم بأن المحارب هو في حقيقته ثعبان، استشاط غضبا، وحذَّر من أن تقع عليه عيناه مرة ثانية. إلا أن الشاب لم يخف غضب آمر الحصن، وكرر المحاولة مائة مرة. وأخيراً قال له الآمر: "عد في الغد، حيث سأقوم بالدوران حول الحصن على صهوة جوادي إحدى وعشرين مرة، فإن استطعت مجاراتي في الدوران حتى النهاية، ستكون ابنتي من نصيبك". فانصرف الشاب منتعشاً بتجدد الأمل.إلا أن آمر الحصن جعل رجاله يزرعون مئات السيوف حول الحصن، ونصالها موجهة إلى أعلى. وفي الصباح المحدد لذلك السباق، حوَّل الشاب نفسه إلى ثعبان، ومضى خلف آمر الحصن الذي كان يعتلي ظهر فرسه؛ فكانت نصال السيوف الحادة تقطع جسم الثعبان، فأخذ ينزف بغزارة، حتى أنهى السباق في حالة يرثى لها؛ فالتفت إليه آمر الحصن وقال له في سخرية بالغة أنه من المستحيل أن يعطي ابنته الجميلة لثعبان قبيح مخيف مثله.وفي تلك اللحظة، تمكن الغضب من الثعبان، فانقلب إلى تنين، وخطف الأميرة، وفرَّ بها.

3- لعلنا لم نسمع مواء القط‍!
يحكى أنه كان هناك رجل وامرأة عجوزان، وكانا جد فقيرين، ولكنهما طيبين وأمينين. وذات يوم، خرج الرجل العجوز إلى الجبال ليحتطب؛ وعند الظهر، فتح صندوق الطعام ليتناول كريات الأرز التي أعدتها زوجته، وكان متعجلاً، فسقطت منه واحة من تلك الكريات، وتدحرجت لتسقط في حفرة بالأرض، على بعد بضعة أقدام منه. تقدم العجوز ونظر في الحفرة لعله يتمكن من استعادة كرة الأرز، ولكن الحفرة كانت عميقة ومظلمة.وبعد دقائق قليلة، أطل فأر من الحفرة، وهتف محييا الرجل العجوز: "عمت مساء أيها العجوز، وشكراً جزيلاً على كرم ضيافتك، الذي أقابله بدعوتك إلى بيتي الكائن تحت الأرض.. فاتبعني من فضلك!" فسأله العجوز: "وكيف لي أن أمرَّ من هذه الفتحة الصغيرة؟" أجاب الفأر: "مسألة سهلة للغاية، كل ما عليك أن تغلق عينيك وتمسك بذيلي! "ولم يلبث العجوز أن وجد نفسه في بيت الفأر، حيث استقبله عدد من الفئران بالتحية، وعملوا على إبهاجه وتسليته بالمعزوفات والرقصات؛ وقدموا له ما لذا من طعام، وهم يغنون: "لمائة من السنين، لمائتي سنة؛ بل إلى الأبدين، لن يطرق سمعنا مواء القطط، بعد الآن."وعندما عزم العجوز على مغادرتهم بعد بضع ساعات مفعمة بالسرور، قدمت له الفئران هدية وداع، عبارة عن قطع من النقود الذهبية. وهكذا تحول العجوز وزوجته من فقراء إلى موسرين.وحدث أن كان للزوجين العجوزين جار غير حميد الصفات زري الهيئة، ما إن وجد جاريه قد أمسيا غنيين، حتى قرر أن يصبح مثلهما. وفعلاً، وصل الرجل إلى بيت الفئران، تحت سطح الأرض؛ وكان ذلك الجشع قد نوى أن يفزع الفئران لتفر تاركة كنوزها، فيستولي عليها وحده، إذا سمعوا "مياو"!. وصاح الرجل: "مياو"، فساد المكان هرج ومرج وجلبة وصراخ، ثم انطفأت الأنوار، ووجد الرجل نفسه وحيداً في ظلام أبدي، في جوف الأرض.4- البنت أوكوما وأسماك السالمونفي إحدى القرى الجبلية البعيدة كانت تعيش فتاة جميلة تدعى أوكوما؛ وكان يحلو لها أن تقضي أوقاتاً جالسة بالقرب من النهر، لا تفعل شيئاً غير مراقبة سريان مياهه الصافية. وذات يوم.انقضَّ نسر عملاق، فاختطف أوكوما وحلَّق مبتعداً بها. حزن والدا الفتاة وبلغ بهما الألم مبلغه؛ وكانا يقضيان الأيام والليالي في بكاء مستمر. ولم يظهر للفتاة أي أثر. فاستسلما لليأس، واستقر لديهما أنهما قد فقدا ابنتهما.وذات ليلة، سمعا صوت خرير مياه في مطبخ البيت، وكان في مواجهة النهر، ووجدا ابنتهما المحبوبة واقفة هناك، صامتة لا تريم. أقام الأبوان الاحتفالات بهذه المناسبة المفرحة، ولكن الفتاة أبت إلا أن تتكتم عن مكان اختفائها، وكيفية إيابها للبيت، واكتفت بالقول: "لقد كان الأمر أشبه بالحلم، لا أكثر."ومرَّت أيام قليلة، ثم حلَّ بالمنزل زائر يطلب من والدي أوكوما الموافقة على زواجه منها؛ دون أن يوضح لهما من هو، أو ماذا يكون، ومن أين جاء. وتكررت زيارته للمنزل لأيام متتالية، حتى ضجر الوالد منه، فلم تجد أوكوما بداً من أن تفضي بكل الحكاية؛ قالت: "أسقطني النسر فوق بحيرة عميقة في منطقة الجبال، فانشقت المياه عن سمكة سالمون تعطي لنفسها اسم (دايسوكي)، أنقذتني من الغرق. والأكثر من هذا، أن دايسوكي هي التي أعادتني إلى البيت في تلك الليلة، حيث وجدتموني في المطبخ.. وليس الشاب الذي تتكرر زيارته لنا إلا سمكة السالمون دايسوكي؛ ومقدَّر عليَّ أن أكون زوجة له، فينبغي عليَّ أن أمضي إليه."ومنذ ذلك الحين، ينعم سكان القرية بصيد وفير من أسماك السالمون، في كل موسم صيد؛ أما عائلة أوكوما وخلفاؤهم، فقد حرَّموا على أنفسهم أكل السالمون، منذ ذلك الوقت.5- حيوان الغُرير والغلاَّية يحكى أنه في سالف العصر والأوان، كان يعيش زوجان عجوزان بقرية جبلية صغيرة، وأنهما كانا جدُ فقيرين، حتى أنهما لم يكن لديهما ما يستقبلان به العام الجديد. وفيما كان الرجل العجوز يسير خائر النفس مغتماً، عائدا إلى بيته، بعد أن ظل يحتطب في الجبال طول اليوم، برز له من بين الأشجار الكثيفة (غُرير) بادره بالسؤال: "أيها العجوز، مالي أراك حزيناً؟"فشرح له العجوز حاله؛ فقال الغرير: "دعني أقدم بعض العون.. إن كاهن القرية بحاجة إلى غلاية جديدة، وسوف أجعل نفسي غلاية، تقوم أنت ببيعها له." ولم يكد حيوان الغرير ينتهي من كلامه حتى اختفى عن الأنظار وحل محله غلاية بهية المنظر.وكان كاهن معبد القرية شديد الحرص على طقوس تقديم الشاي التقليدية؛ وأراد أن يتباهى أمام أصدقائه بالغلاية التي اشتراها حديثاً، فطلب من أحد تلاميذه أن ينظفها؛ فلما بدأ الكاهن الصغير في دلك الغلاية، هالهُ أن يسمع دمدمة شكوى تصدر من الغلاية: "ما أقساك!.. ترفق بي!" فنقل الواقعة العجيبة إلى كاهنه، فلم يجد لديه إلا اللوم والتعنيف، وليكف عن أحلام اليقظة تلك.ولم يلبث الكاهن أن بدأ يعد الشاي، فصب الماء في الغلاية، ووضعها على النار، فلما سخن الماء فوجئ الكاهن وضيفه بالغلاية تقفز من فوق النار صارخة: "ساخن جداً.. ساخن جداً!"وظهر للغلاية رأٍس غرير، ثم ذيله، ثم أطرافه الأربعة.. عادت الغلاية غُريراً، انطلق من فوره متخذا طريقه إلى الجبال.
الهوامش* نشر النص الأصلي في عدد نوفمبر- ديسمبر 1978م من مجلة International Wildlife، تحت عنوان The Crane Wife and other animal tales of Japan ** يومي جوتو: كاتبة يابانية تعيش في طوكيو، وتدرس الفلكلور في العالم، كما تعمل مترجمة بمعهد الثقافة اليابانية، وترأس فرع مؤسسة (طيور الغرنوق الدولية) باليابان.***
رجب سعد السيد: باحث علمي وأديب من الإسكندرية- مصر.

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home